-A +A
شتيوي الغيثي
وسائل الإعلام تتهم دائما بالانحيازية، وإن كنا لا ننكر هذه الانحيازية التي تتضح من خلال الأفكار التي تحملها الجزيرة (الإسلاموية/ العروبية)، أو العربية (الليبرالية) ــ كما يحب المختصمون حولهما تصنيفهما، تمهيدا لتصنيف الأفكار وحامليها في المجتمعات العربية. لكن لا بد أن نقرر قبل ذلك أنه ليس من السهولة بمكان أن تكون عملية التصنيف في وسائل الإعلام مرحلية؛ لأن امتدادها طويل الأمد، ونتائجها كانت قاسية، ولن يتم التعافي منها إلا بعد انقضاء جيل أو جيلين من مروجي تلك التصنيفات، بحيث يمكن أن تتغير موازين القوى. نحن نرى كيف عادت المسألة الطائفية في أكثر من دولة على الرغم من أننا كنا نعتقد بأنها منتهية تماما في إطار مفهوم الدولة الحديثة، لكننا كنا حالمين أكثر مما يجب. ها هي الطائفية تعود بعد حوالي عشرين عاما من الكمون، وبأبشع مما توقعنا.
التصنيف الإقصائي قبل الإعلام وبعده، فهو يجد فرصته في كل مرة بأن يظهر ما لم تكن هناك عمليتان مزدوجتان: الأولى نقد متواصل من داخل كافة هذه التيارات لنفسها ولبعضها، والثاني: قانون صارم يمنع التصنيف الإقصائي الذي يتولد عنه إلغاء للآخر المختلف، وكلا هذين الأمرين غير موجود، فلا النقد من داخل الخطابات مقبول، ولا الدولة العربية الحديثة قادرة على لجم هذا التصنيف، هذا إذا ما قلنا بأنها هي من تغذيه أحيانا لمكاسب سياسية من هنا وهناك.

نعود ونسأل: هل الإعلام الجديد أو إعلام الفضائيات هو الذي أوقد جذوة الصراع؟
برأيي، أن الصراع موجود قبل الإعلام الجديد بفترة طويلة. لكنه ربما أعان على انتشاره، وتوسع مجاله، ودخول من لا منبر له إلى الإعلام الجديد، بحيث أصبح في متسع كل من أراد أن يصنف هذا أو ذلك، فإن بمقدوره أن يقول ما يشاء في أي وقت يشاء دون رؤية علمية ومنهجية متزنة. هنا الفرق فقط، إذ كان التصنيف الماضي محدودا في من يمتلك منبرا، سواء أكان إعلاميا مقروءا أو مرئيا أو شريط الكاسيت أو منبر جمعة أو غيره، والآن دخول كل المتأدلجين إلى المشاركة. المسألة في اتساع الرقعة، وليس في كونها اتقدت أم لم تتقد من قبل.